کد مطلب:352798 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:280

وقفة مع البخاری فی صحیحه
لقد أصبح من الضروری إلقاء ولو نظرة سریعة علی صحیح البخاری بوصفه أصح كتب الحدیث عند أهل السنة الذین یعتقدون بصحة جمیع ما روی فیه من جهة، وبوصفه الحاوی للكثیر من روایات أبی هریرة وذلك الكم الهائل من الروایات التی تطعن بعصمة النبی (ص) وغیرها من جهة أخری. فقد أخرج البخاری أحادیثه (الصحیحة برأیه) من 600 ألف حدیث، وكما روی عنه إذ قال: " لم أخرج فی هذا الكتاب إلا صحیحا، وما تركتمن الصحیح أكثر " [1] .

ومأخذنا الأول علی الشیخ البخاری هو اعتماده علی عدالة سلسلة رواة الحدیث كشرطه الوحید لإثبات صحة الحدیث المروی وبدون النظر إلی متنه وما احتواه من معنی الأمر الذی یفسر وجود الاضطراب والفساد والتناقض فی كثیر من الروایات التی أخرجها. فحتی لو كان الراوی عدلا، فإن ذلك لا یمنع نسیانه جزءا من الحدیث الذی سمعه فضلا عن احتمالیة روایته للحدیث بالمعنی لا بعین اللفظ الذی سمعه الأمر الذی یفقد الحدیث جزءا من ألفاظه الأصلیة والتی یحتمل أن یكون لها معنی آخر لم یتنبه له الراوی وخصوصا مع طول سلسلة الرواة التی قد تتضمن فی بعض الأحیان لسبعة أو ثمانیة أفراد. وإذا أضفنا صعوبة الوقوف علی عدالة الرجال وخصوصا المنافقین منهم والذین لا یعلم سرائرهم سوی رب العباد، یتضح لنا العیب الأكبر فی منهج البخاری



[ صفحه 121]



فی إخراجه لأحادیثه. وقد قال أحمد أمین تأكیدا لذلك: " إن بعض الرجال الذی روی لهم غیر ثقات، وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاری نحوالثمانین " [2] .

وفیما یلی مزیدا من الروایات التی عدها البخاری صحیحة وألزم بها أهل السنة أنفسهم علی مر العصور. فعن أبی سعید الخدری، أن الرسول (ص) قال بشأن یوم الحساب: "... فیتساقطون حق یبقی من كان یعبد الله من بر أو فاجر، فیقال لهم: ما یحبسكم وقد ذهب الناس؟ فیقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إلیه الیوم، وإنا سمعنا منادیا ینادی لیلحق كل قوم بما كانوا یعبدون، وإنما ننتظر ربنا، قال: فیأتیهم الجبار فی صورة غیر صورته التی رأوه فیها أول مرة، فیقول: أنا ربكم، فیقولون: أنت ربنا، فلا یكلمه إلا الأنبیاء، فیقول: هل بینكم وبینه آیة تعرفونه؟فیقولون: الساق، فیكشف عن ساقه، فیسجد له كل مؤمن " [3] .

وعن جریر بن عبد الله قال: " كنا جلوسا لیلة مع النبی (ص) فنظر إلی القمر لیلة أربع عشرة، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا، لاتضامون فی رؤیته " [4] .

ویكفی لرد الروایتین الأخیرتین، بما أخرج البخاری بسنده عن مسروق قال: " قلت لعائشة (رض): یا أمتاه هل رأی محمد (ص) ربه؟ فقالت: لقد قف شعری مما قلت، أین أنت من ثلاث من حدثك هن فقد كذب؟ من حدثك أن محمدا (ص) رأی ربه فقد كذب. ثم قرأت - (لا تدركه الأبصار وهو یدرك الأبصار وهو اللطیف الخبیر) - (وما كان لبشر أن یكلمه الله إلا وحیا أو من وراء حجاب) " [5] .



[ صفحه 122]



ویقول العلامة العسكری: " إن قول الله - (وجوه یومئذ ناضرة إلی ربها ناظرة) - أی إلی أمر ربها ناظرة " أی منتظرة وذلك مثل قوله تعالی فی حكایة قول أولاد یعقوب لأبیهم " (واسأل القریة التی كنا فیها) " أی واسأل أهل القریة ". قد (أمر) فی تلك الآیة، وفی هذه الآیة (أهل)، وهكذاتؤول سائر الآیات التی ظاهرها یدل علی أن الله تبارك وتعالی جسم " [6] .

ومن الإسرائیلیات الآخر التی وجدت فی كتاب البخاری ما روی عن عبد الله قال: " جاء حبر من الأحبار إلی رسول الله (ص) فقال: یا محمد، إنا نجد أن الله یجعل السماوات علی أصبع، والشجر علی أصبع والماء والثری علی أصبع، وسائر الخلائق علی أصبع. فیقول: أنا الملك. فضحك النبی (ص) حق بدت نواجذه تصدیقا لقول الحبر. ثم قرأرسول الله (ص): (وما قدروا الله حق قدره) [7] .

وعن ابن عمر (رض) قال: " قال رسول الله (ص): " إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حق تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حق تغیب، ولا تحینوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بین قرنی شیطان، أو الشیطان، لا أدری أی ذلك " [8] .

وأنا لا أدری كیف یمكننا التصدیق بمثل هذه الخرافات؟ وهذه أخری عن أبی ذر الغفاری قال: " قال النبی (ص) لأبی ذر حین غربت الشمس: تدری أین تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب حق تسجد تحت العرش فتستأذن فیؤذن لها، وتوشك أن - تسجد تحت العرش فتستأذن فیؤذن لها، وتوشك أن تسجد فلا یقبل منها. وتستأذن فلا یؤذن لها فیقال لها: ارجعی من حیث جئت، فتطلع من مغربها. فذلك قوله تعالی:



[ صفحه 123]



(والشمس تجری لمستقر لها ذلك تقدیر العزیز العلیم) " [9] .

وعن عمر بن الخطاب قال: " أما علمت أن النبی (ص) قال: إن المیت لیعذب ببكاء الحی " [10] بالرغم من أن الله تعالی یقول: (ولا تزروازرة وزر أخری) [11] .

وروی عن عبد الله قال: " ذكر عند النبی (ص) رجل فقیل: ما زالنائما حتی أصبح ما قام إلی الصلاة. فقال: بال الشیطان فی أذنه " [12] .

وعن جابر بن عبد الله رفعه قال: " خمروا الآنیة واكثوا؟؟؟ الأسقیة، وأجیفوا الأبواب، واكفتوا صبیانكم عند العشاء، فإن للجن انتشارا وخطفة، واطفئوا المصابیح عند الرقاد فإن الفویسقة ربما اجترت الفتیلة فأحرقت أهل البیت " [13] .

ونكتفی بهذا القدر من الروایات والتی یوجد غیرها الكثیر مما یضع علامة استفهام كبیرة أمام البخاری وصحیحه، وأول ما یترتب علی إثباتنا خطأ المقولة الشائعة بصحة جمیع ما أخرج فی هذا الصحیح هو عدم صلاحیة أی حدیث فیه لیكون حجة لمجرد إعطاء الشیخ البخاری له صفة الصحة. ولذلك فإنه یلزمنا إعادة النظر فی العقائد التی أخذت بناء علی بعض أحادیثه مثل إمكانیة رؤیة الله تعالی ووضع قدمه فی جهنم، وعدم اكتمال عصمة النبی وعدم حفظه جمیع القرآن، وفقأ موسی لعین ملك الموت وغیرها الكثیر الكثیر، مما أخذ مكان الاعتبار والتصدیق بالرغم مما فیها من شبهات



[ صفحه 124]



وخرافات تتخذ مطاعن علی دین الإسلام، وهكذا بالنسبة لكتب الحدیث الأخری. ونتیجة لذلك أیضا، فإنه یلزمنا مراجعة تاریخنا الإسلامی وإعادة النظر فی كثیر مما رواه البخاری وغیره من رجال الحدیث حول مكانة الصحابی هذا أو ذاك، وخصوصا مع وجود تلك المنازعات التی حصلت بینهم والتی لا زالت آثارها واضحة لأیامنا هذه بوجود مذاهب مختلفة فرقت المسلمین وأضعفتهم.



[ صفحه 125]




[1] ابن حجر في مقدمة شرح الباري علي صحيح البخاري ص 5، ط دار إحياء التراث العربي.

[2] ضحي الإسلام لأحمد أمين ج 2 ص 117، ص 118.

[3] صحيح البخاري ج 9 ص 396 كتاب التوحيد باب وجوه يومئذ ناضرة.

[4] صحيح البخاري ج 6 ص 355 كتاب التفسير باب قوله - فسبح بحمد ربك.

[5] صحيح البخاري ج 6 ص 359 كتاب التفسير باب سورة النجم.

[6] معالم المدرستين ج 1 ص 31 الطبعة الثانية.

[7] صحيح البخاري ج 6 ص 317 كتاب التفسير باب - وما قدروا الله حق قدره.

[8] صحيح البخاري ج 4 ص 319 كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده.

[9] صحيح البخاري. ج 4 ص 283 كتاب بدء الخلق باب صفة الشمس والقمر بحسبان.

[10] صحيح البخاري ج 2 ص 212 كتاب الجنائز.

[11] الإسراء: 15.

[12] صحيح البخاري ج 2 ص 135 كتاب التهجد.

[13] صحيح البخاري ج 4 ص 336 كتاب بدء الخلق باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه.